ضمن ركام الوثائق الفرنسية التي أرّخت لفترة الحماية بالمغرب، تبرز بعض المذكرات التي لم تنل حظها من الاهتمام، رغم ما تحمله من معطيات دقيقة حول أنماط العيش والاقتصاد والبنيات الاجتماعية بالمناطق “الهامشية”. من بين هذه الوثائق، لفتت انتباهي المذكرة رقم 193 التي أعدّها فيدال غي (Vidal Guy) سنة 1952، حول منطقة ماسة، التابعة لدائرة تيزنيت .
تندرج هذه المذكرة ضمن تقارير التدريب التابعة للقسم الاقتصادي والمالي للإدارة الفرنسية، وقد جاءت تحت عنوان:
“Le Massa – Le problème de l’équilibre économique d’une région semi-désertique du Sud marocain”
أي: “ماسة – إشكالية التوازن الاقتصادي في منطقة شبه صحراوية بجنوب المغرب”.
وتُعد هذه الوثيقة إحدى الشهادات الميدانية النادرة التي سلّطت الضوء على التحديات البنيوية التي كانت تواجه منطقة ماسة خلال منتصف القرن العشرين، في ظل ندرة الموارد المائية، وتغير أنماط الاستغلال الفلاحي، وتزايد الضغط على الأرض في سياق اجتماعي هش. فقد رصد فيدال بدقة الطابع الرعوي للمنطقة، وعلاقة السكان بالأرض، وآليات التسيير المحلي للموارد، في محاولة لفهم أسباب ما سمّاه بـ”اختلال التوازن الاقتصادي”.
تمثل هذه المذكرة مرآةً لسياسات استعمارية كانت، في الظاهر، مهتمة بتشخيص الواقع، لكنها كانت في العمق تروم ضبط المجال والإنسان وفق منطق إداري اقتصادي استعماري. غير أن القيمة الوثائقية لهذه المادة تظل عالية، خصوصًا للباحثين في الأنثروبولوجيا الاقتصادية، وتاريخ الريف المغربي، وتحولات المجال في سياق ما قبل الاستقلال.
أما بالنسبة لمصادر البحث حول منطقة ماسة وإشكالات التوازن الاقتصادي والبيئي والتي اعتمد عليها فيدال فهي:
الوثائق الرسمية والميدانية الفرنسية لافراد البحرية الفرنسية ومنهم على الخصوص أعمال
• الكومندان روبير مونتاني: وهي عبارة عن دراسات ميدانية حول البنية القبلية والتنظيم المرتبط به في منطقة ماسة وسوس عما ومناطق الحوز.
إضافة الى الاعمال التي سبق وان قام بها كذلك
• الملازم البحري بيتي petit: وهي عبارة عن معاينات جغرافية للساحل وهيدرولوجية للمصب النهري الماسي.
وتقارير ذات طابع مقارن أو مرجعي
• للمفتش المدني ديرولو: وهي عبارة عن تقارير حول منطقة بني مسكين بعنوان
“تعزيز قيمة منطقة El Borouj عبر مكافحة التصحر”
وهذه التقاريرتناقش جزءًا من الإشكالية البيئية المشابهة لما تعانيه ماسة.
وهناك كذلك دراسات وأبحاث أكاديمية ومؤسساتية واليت قام بها:
• غيرنييه-سيلييه (Guernier-Sellier): زهي ابحاث في الاقتصاد القروي والبنيات التقليدية.
• دراسة جماعية بإشراف ليدوك (Leduc):
حول”مشاكل التصنيع في شمال إفريقيا”
وتعالج التحولات الاقتصادية الكبرى في النصف الأول من القرن العشرين.
دراسات جيولوجية وبيئية تطبيقية التي قامت بها بعض الشركات ومنها:
شركة SOGREM: التي قامت باعداد دراسة حول سد وادي ماسة بمنطقة (تانكَيست)، وتتضمن معطيات جيولوجية، اقتصادية، واجتماعية. أضف الى ذلك بعض الاعمال ذات الصبغة الدولية ومنها:
• أعمال مؤتمر الجيولوجيا – الجزائر 1952:
ووثائق تضم مداخلات علمية تتعلق بالتحولات الجيومرفولوجية والمائية في مناطق المغرب الكبير.
أما بالنسبة لمنهجية تحرير البحث فكانت على الشكل التالي:
– الاقتصاد الحالي لمنطقة ماسة
– الاكتظاظ السكاني.
– خصائص هذا التوازن.
– مخاطر هذا الوضع.
– توازن جديد
– زيادة الثروة.
– تقليل السكان.
– خلق توازن جديد.
– هل هذه الصيغة قابلة للتعميم؟
– هل ماسة حالة خاصة؟
– شروط تطبيق هذه الصيغة في أماكن أخرى.
– مبدأ جديد؟
مقدمة
يُعدّ جنوب المغرب موطنًا تقليديًا لتربية المواشي، لكن تجاهل هذه الحقيقة الطبيعية كلّف سكانه الكثير. فبحسب الباحث، فإن الأمازيغ والعرب في هذه المنطقة سعوا – على مر الزمن – إلى استغلال الأرض بشكل يتجاوز قدراتها الطبيعية، عبر محاولات انتاج مزروعات غير ملائمة لطبيعتها. وقد أدى ذلك إلى تدهور الأراضي بشكل تدريجي. هذا الواقع لا يخصّ منطقة بعينها، بل يمتدّ ليشمل مختلف مناطق الجنوب المغربي. غير أن الباحث اختار منطقة معينة لتأكيد فرضياته هذه وهي منطقة “ماسة” واعتبرها نموذجًا صارخًا لهذه المعضلة.
سنكتفي هنا بنشر هذا الجزء من عملنا على هذه المذكرة، على امل نشره كاملا في المستقبل القريب.
الحسين بوالزيت، صحافي وباحث في التاريخ.
الصورة من الانترنيث