فن تيرويسا بأدرار وسؤال احتراف المهنة

بنضاوش الحسن

لا تخلو أية منطقة جغرافية يسكنها ءيمازيغن من فن تيرويسا ، هواية وممارسة ، لأنه فن أصيل ، يعبر من خلاله الفنان أو الفنانة عن ذاته، ومشاعره، وعن الآخرين وما يحسون به، وعن المحيط والمجال، في إبداع ومثابرة ، تنتج أعمال خالدة.

وبأدرار أيت صواب ، إقليم أشتوكن، هناك ممارسة أصيلة لفن تيرويسا، أسس لها فنانين موهوبين، أتقنوا الآلات الموسيقية القديمة والحديثة ، وبصموا في الساحة، وساهموا في النهضة الفنية والموسيقية الأمازيغية بالمغرب عموماً وسوس بالخصوص.

إلا أن المثير في الموضوع ، عدم تجاوز هؤلاء الفنانين إلى مستوى المهنية في فن تيرويسا ، وتوقف اغلبهم في منتصف الطريق.

ومن نماذج ذلك، الفنان عبلا اصواب بالجماعة الترابية لأوگنز ،الذي عاشر عباقر الفن الأمازيغي ، وساهم في بعض منتوجاتهم وإبداعتهم، إلا أنه لم يسجل أي شريط، وبقي وفيا للسهرات والمناسبات الخاصة كهاوي مبدع يتقن الرباب ولوطار ، ثم الرايس محند أومهدي إبن معقل فن تيرويسا الجماعة الترابية لتاركانتوشكا ، هذا الفنان الذي مازال يقدم ابداعته في المناسبات المحلية دون أن يتجاوز ذلك إلى التسجيل ودخول غمار الفن من أبوابه الواسعة ويلج المهنية في فن تيرويسا.

وليس الإبداع أو الخوف من المهنة، ما وراء الاكتفاء بالهواية في ممارسة فن تيرويسا بأيت صواب ، بقدر ماهو نفسي ومجالي، يعود إلى نظرة هذا المجتمع إلى ممارسة الفن كمهنة مستقلة، وهو الذي مازال ضمن العار والعيب بالمنطقة ، قد لا يضمن حسب نظرتهم تلك الحياة المنشودة.

وحتى من تجاوز حاجز المجال والثقافة المحلية، وعبر إلى ضفة المهنية، وتسجيل الأشرطة كما حصل مع الفنان عابد اوتنالت الذي أغنى الخزانة السوسية في فن تيرويسا بأغاني رائعة وخالدة، لم يفلح أمام الوقت، وفضل الغربة على الفن، واكتفى بالهواية دون ولوج عالم الاحتراف والاعتماد على الفن وحده.

وأمام هذه الظاهرة المعقدة، بين الممارسة لفن تيرويسا في إطار الهواية ، مع وجود كل شروط المهنية في الفنان، دون الولوج إلى هذه المهنية في صفوف فناني أيت صواب بأدرار، مازالت تلك النظرة المسيطرة على عقول الناس، والتي ترى في الفن استثناء وليس الأصل ، وسيطرة التأثير العميق للمدارس العتيقة ، والتصوف الديني .

وهذا ما يحرمنا ومن خلالنا الوطن من إبداعات وانتاجات فنية لفنانين من أيت صواب أدرار، اعتزلوا على العالم في هذه المنطقة دون أن ترى أعمالهم النور، أو يتم التعريف بهم في إطار الانصاف والاعتراف.

لقد حان الوقت لتخلص من القيود الدينية والثقافية والمجالية التي تحبس الإبداع، وتضع الفنان في خانة العار ، وأصبح من اللازم والضروري على فناني أيت صواب بأدرار أن يثوروا ضد التقاليد المعقدة، ويلجوا أبواب المهنية والاحترافية فلهم من الخصوصيات الفنية والابداعية ما يجعلهم في مقدمة الرواد وبدون منازع .

أيت صواب أدرار في حاجة ماسة إلى الريادة، والتفوق كذلك في فن تيرويسا ، وتسجيل الحضور القوي في المناسبات المحلية والوطنية والدولية .

ومن حقنا الإستمتاع بإبداعات فناني أيت صواب في فن تيرويسا، كما نستمتع بعموم رواد فن تيرويسا من مختلف مناطق المغرب.

شاهد أيضاً

البنيات الجامدة والصناعات المغشوشة وتدبير الشأن العام

تلعب المؤسسات دورا أساسيا في تسيير شؤون الدولة وتدبير الشأن العام والارتقاء به، فوضعها القانوني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *