في كل مجتمع، تبقى مهنة المحاماة من المهن الحساسة التي لا يجوز التهاون في اختيار شاغليها، لأنها مرتبطة مباشرة بتحقيق العدالة وحماية الحقوق. مع ذلك، لا يخلو الأمر من حالات يتعرض فيها الأفراد لخداع محاميهم، مما يهدد حقوقهم ويضعهم في مواقف قانونية معقدة قد تؤثر سلبًا على حياتهم. في هذا السياق، يتوجب على المواطنين أن يكونوا على دراية بعلامات الخداع التي قد تصدر عن المحامي، وكذلك سبل التعامل معها بما يتماشى مع الأطر القانونية المتاحة.
إن العلاقة بين المحامي وموكله ليست مجرد اتفاق مهني؛ بل هي علاقة تقوم على الثقة المطلقة. المحامي لا يقدم المشورة القانونية فحسب، بل يصبح شريكًا في الدفاع عن حقوق موكله وحماية مصالحه. ولذلك، فإنه يقع على عاتق المحامي مسؤولية كبيرة تتجاوز حدود الحرفية القانونية إلى مجال الأخلاقيات المهنية التي لا يجب التفريط فيها. وعلى الجانب الآخر، ينبغي على الموكل أن يكون يقظًا ويعرف كيف يكتشف أي تلاعب أو خداع قد يحدث أثناء سير قضيته.
علامات الخداع من المحامي
قد يتخذ الخداع عدة أشكال تختلف باختلاف الأهداف والظروف، ولكن هناك بعض العلامات التي قد تكون بمثابة إنذار مبكر للمواطن للكشف عن سوء تصرف المحامي:
أولًا، التهرب من الاستفسارات. عندما تجد أن المحامي لا يرد على مكالماتك أو يتجاهل رسائلك الإلكترونية، فهذا قد يكون مؤشرًا على إما إهمال أو محاولة لتجنب الإجابة عن أسئلة تتعلق بالقضية. المحامي الذي يتهرب من التواصل مع موكله ليس محاميًا مسؤولًا.
ثانيًا، التفسير الغامض للقوانين. إذا كان المحامي يتعامل مع الأسئلة القانونية بتعقيد مبالغ فيه، أو يقدم تفسيرات مشوشة وغير مفهومة، فقد يكون هناك نية لإخفاء الحقيقة أو التلاعب بالموكل. الشفافية في العمل القانوني هي أساس العلاقة بين المحامي وموكله، وعدم وضوح التفسير قد يكون خرقًا لهذه الثقة.
ثالثًا، الوعود غير الواقعية. بعض المحاميين قد يعطون وعودًا غير ممكنة التحقيق، مثل ضمانات بالفوز في القضية أو الحصول على تسوية مالية غير قابلة للتحقيق. يجب أن يكون المحامي دائمًا صريحًا مع موكله، ويقدّم له تقييمًا دقيقًا للفرص القانونية المتاحة له.
رابعًا، غياب الشفافية المالية. من غير المقبول أن يطلب المحامي من موكله مبالغ مالية دون تقديم تفاصيل دقيقة حول كيفية صرف تلك الأموال. غياب الفواتير أو عدم توضيح الرسوم قد يكون مؤشرًا على تصرفات مالية غير سليمة.
خامسًا، التأخير في تقديم المستندات أو الوثائق. إذا كان المحامي يتأخر في تقديم مستندات مهمة أو يرفض تسليم موكله ما يطلبه من وثائق، فهذا قد يدل على محاولة لإخفاء معلومات قد تضر بالقضية أو عدم الاهتمام بكفاءة سير الإجراءات.
كيفية التعامل مع خداع المحامي؟
إذا اكتشفت أو لاحظت أياً من العلامات السابقة التي تشير إلى سوء تصرف أو خداع من المحامي، فإن أول خطوة يجب اتخاذها هي التوثيق الكامل لجميع التفاعلات بينك وبين المحامي. تأكد من الاحتفاظ بنسخ من جميع المراسلات والمستندات المتعلقة بالقضية، حيث أن هذه الوثائق ستكون أساس أي إجراء قانوني قد تتخذه ضد المحامي.
استشارة محامٍ آخر قد تكون خطوة ضرورية في حال شككت في أداء محاميك. محامي آخر قد يساعدك على تقييم الوضع بشكل أكثر دقة، وقد يقدم لك الرأي القانوني المستقل الذي يساعدك في اتخاذ القرار السليم بشأن المتابعة مع المحامي الحالي أو تغييره.
الخطوة التالية إذا كانت الأمور قد وصلت إلى مرحلة لا يمكن التغاضي عنها، فيجب عليك التقدم بشكوى إلى الهيئة المنظمة لمهنة المحاماة في بلدك. الهيئات المعنية بمراقبة سلوك المحاميين لديها آليات للتحقيق في الشكاوى واتخاذ الإجراءات المناسبة، بما في ذلك فرض العقوبات المهنية.
ختامًا، المحامي هو ممثل موكله في محكمة القانون، وهو الأداة التي يعوّل عليها في حماية الحقوق وتحقيق العدالة. وعليه، يجب أن تتحلى العلاقة بين المحامي وموكله بالثقة المتبادلة والاحترام المتبادل للحقوق والواجبات. الخداع أو الإهمال من قبل المحامي لا يمكن التسامح معه، ويجب على الموكل أن يكون دائمًا على وعي بعلامات الخداع وألا يتردد في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوقه. في ظل قوانين مهنية صارمة ونظم مراقبة دقيقة، تظل العدالة هي الهدف الأسمى الذي نسعى جميعًا لتحقيقه.
بقلم المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت