بين الأغلبية والمعارضة.. تتيه الأمازيغية

لحسن أمقران

في مشهد مقزّز من مسرحية رديئة التأليف والإخراج من داخل البرلمان المغربي، وخلال الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة المغربية حول السياسات العامة، تناول الممثلون، ممثلو “الأمة” و”ممثل” السلطة التنفيذية، موضوع الأمازيغية بغير قليل من النفاق الإنتخابوي والخديعة السياسوية التي تُضمر ما لا تُظهر، تناوُل كان بمثابة مشهد لصراع الضباع حول غزالة تخلى عنها الأسود.

بالأمس القريب تناولت السيدة خديجة الرويسي – عن فريق “الأصالة والمعاصرة” بصفتها رئيسة الجلسة- الكلمة لتعلن أن “اللجنة” ارتأت منع طرح الأسئلة تحت قبة البرلمان المغربي باللغة الأمازيغية إلى إشعار آخر، وها هي اليوم تعود لترمي السيد عبد الإله بنكيران رئيس السلطة التنفيذية بوابل من القذائف الأمازيغية “الصنع” والمهرّبة إلى حلبة صراع الديكة، تلك القذائف التي أربكت بشكل جلي “خطيبنا” الذي يتفنن في كل مرة في نسج عبارات بمساحيق متجاوزة صلاحيتها، كلها لغط وافتراء.

إذا كنا متيقنين بما لا يدع الشك أن تدخُّل السيدة –المحترمة- لم يكن نابعا من غيرة حقيقية على الأمازيغية ولا هو مراجعة من فريقها السياسي لموقفه من القضية الأمازيغية بقدر ما هو تصفية لحسابات سياسوية ضيقة بين أحزاب سياسية فاشلة عمليا ومنبوذة ميدانيا تؤثث لمشهد سياسي وضيع، فإن ذلك لا يثنينا من التنويه بهذه الكلمة التي طالما تفادى رئيس الحكومة سماعها –خصوصا أمام الملأ- قبل أن يسمعها مرغما من هذه السيدة وعلى الهواء مباشرة.

لقد كانت القذائف قوية وتم اختيار موضوعاتها بشكل دقيق وموفّق وبكلمات مُحكمة واضحة، وكانت ردّا كافيا شافيا على نفاق رئيس الحكومة الذي يترنم في كل مرة بلغة خشبية للتسويق الإعلامي والإستهلاك الداخلي، قذائف كان لها وقْعها على ردة فعل رئيس السلطة التنفيذية الذي اكتفى في رده بما يشبه “لعبة الغُميضة”.

ركّز المسؤول الحكومي إذا في كلمته على الرعاية المولوية التي تُحظى بها الأمازيغية، لكنه تناسى أن هجوماته البربرية على الأمازيغية تمت بعد خطاب العرش وخطاب أجدير، فهل كان زعيم المصباحيين آنذاك ورئيس الحكومة المغربية حاليا يعلم أن الأمازيغية تحظى بهذه الرعاية المولوية وتعمد التهجم عليها في مناسبات عدة إرضاء لنفسه ولزمرته، أم كان في حالة شرود من الإرادة الملكية والتوجهات الجديدة لمغرب “العهد الجديد”؟؟؟

في ذات السياق، ألم يرفض رئيس الحكومة ومن معه حرف تيفيناغ واستهزأ به بشكل شعوبي وضيع واصفا إياه ب”الشنوية” بعد ثماني سنوات من مباركة جلالة الملك له ؟؟؟ ألم يعارض رئيس الحكومة وحلفاؤه بالأمس -والذين أصبحوا خصومه اليوم بقدرة قادر- ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي وأصروا على “تعديل” في آخر الأنفاس ضد على التوجه الجديد للدولة المغربية في نسختها “المحمدية” ؟؟؟ ألم يكن تكبيل تنزيل رسمية اللغة الأمازيغية في الحياة العامة للمغاربة بقانون تنظيمي من صنع التكالب “المصباحي-الإستقلالي”؟؟؟ .

أليس رئيس الحكومة يتنصل من مسؤوليته في تصحيح وضعية الأمازيغية بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية لما بعد “دسترة” و”ترسيم” الأمازيغية ويتلكؤ في ترسيخ وتفعيل “المكتسبات” التي حققتها الأمازيغية بعد نضال أبنائها المستميت، وها هو يتماطل ويسوّف في الإفراج عن القانون التنظيمي؟؟؟

تحدث رئيس الحكومة عن الأمازيغية الجريحة في الإعلام والتعليم والقضاء وكأن كل شيء على مايرام، بالله عليكم سيدي هل تظنون أن إعلامكم أنصف أمازيغيتنا لغة وثقافة وهو الذي أحكم حبسها في “غيتو” يبعث على الإشمئزاز؟؟؟ هل تظنون أن حصيص الأمازيغية كما تنص عليه دفاتر تحملكم يتم احترامه من جانب منابركم السمعية والبصرية؟؟؟

هل تعتقدون في قرارة أنفسكم أن اللغة الأمازيغية تدرّس بشكل فعلي في مدارسكم؟؟؟ هل أنتم متأكدون “معالي” رئيس الحكومة من التزام وزارتكم في التربية الوطنية بتعهداتها واتفاقياتها التي عقدت مع المعهد المعلوم وبالمذكرات التي أصدرتها قبل وبعد أن أوكل إليكم بتسييرها؟؟؟ ألا تستحيون مما وصل إليه ملف تدريس الأمازيغية في عهد حكومتكم في نسختها الثانية حتى تنافحون علينا بما “تحقق”؟؟؟ ألم تفرجوا كحكومة عن رؤيتكم لقطاع التربية والتكوين إلى 2030 وتجاهلتم اللغة الأمازيغية بشكل تام؟؟؟

وفي القضاء، ألستم على علم أن القضاة في محاكمكم يمنعون اللغة الأمازيغية بشكل فظ بعد دستور رسّم اللغة الأمازيغية، وفي أحسن الأحوال بنتدبون “مترجما” من الحضور قد يكون طرفا في القضية بشكل مباشر أو غير مباشر؟؟؟ متى تدركون أنكم مسؤولون عن مظالم هؤلاء؟؟؟ متى ستكونون عمليين تنتقلون بأقوالكم إلى أفعال؟؟؟

بالله عليكم يا رئيس الحكومة ماذا قدمتم للأمازيغية غير التشهير والتشكيك والتخوين، وبالمناسبة نذكركم أنكم لم تعودوا عضو حزب أو شبيبة أو جمعية معينة ممن لهم حسابات متهالكة، متقادمة ورخيصة مع الحركة الأمازيغية –كما أسلفت السيدة “خديجة الرويسي”-، بل رئيس الحكومة المغربية، وعندما نقول المغربية فأنتم أدرى بمن يكون المغاربة.

فقليلا من المروءة معالي رئيس الحكومة…

شاهد أيضاً

امحمد القاضي

“أنا مواطن أؤدي ضرائبي”: الشعور بالفخر والإعتزاز بالإنتماء للوطن – اللحظات المعبرة المفقودة

كم هو مقنع أن يبلغ المواطن درجة رفيعة من الشعور بالإنتماء للوطن، حين يؤدي واجباته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *