تم إطلاق عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى في المغرب في فاتح شتنبر 2024، وهي السابعة منذ استقلال البلاد، تحت إشراف المندوبية السامية للتخطيط. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لهذه العملية في جمع البيانات وتوجيه السياسات العمومية، إلا أنها لم تخلُ من الانتقادات، خاصة فيما يتعلق بتجاهلها للغة الأمازيغية، التي تم ترسيمها في دستور فاتح يوليوز 2011.
مع كل ما تم تحقيقه بشأن القضية الأمازيغية من دسترتها، وإصدار القانون التنظيمي لتفعيل طابعها الرسمي، واعتماد السنة الأمازيغية عطلة رسمية بمباركة من صاحب الجلالة، كان من المتوقع أن تعكس هذه العملية التزامات الدستور والتوجيهات الملكية السامية الهادفة إلى تعزيز مكانة الأمازيغية في مختلف جوانب الحياة العامة. لكن، ما حدث هو تهميش واضح للغة الأمازيغية منذ البداية، بدءًا من الندوة الصحفية التي غابت فيها اللغة الأمازيغية وحلت محلها الفرنسية، واستمرارًا في استمارات الإحصاء وطرق التواصل مع المواطنين. ويعزى هذا الأمر إلى أيديولوجية المسؤولين وإلى عدم إشراك الفاعلين في المجتمع المدني الأمازيغي والباحثين المتخصصين في اللغة والأنثروبولوجيا في التحضير لهذه العملية الوطنية، مما يهدد مصداقية النتائج ويجعلها غير ممثلة بشكل دقيق للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي في المغرب.
انتقاداتنا الأساسية التي وُجهت لهذه العملية ترتبط بالأسلوب المتبع في طرح الأسئلة، والذي يساهم بشكل غير مباشر في تقليص عدد الناطقين بالأمازيغية. فالعديد من الأسئلة تُطرح باللغة الدارجة، مما يدفع المستجوبين للإجابة بها، حتى وإن كانوا يستخدمون الأمازيغية في حياتهم اليومية. هذا النهج يؤدي إلى تصنيف لغوي غير منصف، حيث تُجمع الدارجة بمختلف تنوعاتها تحت مظلة اللغة العربية الفصحى، بينما تُقسم الأمازيغية إلى لهجات مختلفة، مما يقلل من أهميتها كلغة قائمة ومعترف بها. هذا التحيز في الإحصاءات ليس جديدًا، إذ تكرر في إحصاءات سابقة مثل تلك التي جرت في 2004 و2014، إلا أن الوضع الآن مقلق أكثر، خاصة في ظل المكانة الجديدة التي اكتسبتها اللغة الأمازيغية كأحد الأوراش الملكية التي يوليها جلالة الملك نصره الله اهتمامًا كبيرًا منذ خطاب العرش لسنة 2001، والمكانة المهمة التي تحتلها في اجندة الحكومة برئاسة السيد عزيز أخنوش، كما لا يجب إغفال أن هذه العملية جاءت في خضم عشرية الأمم المتحدة للغات الشعوب الأصلية، وفي سياق توصيات الأمم المتحدة المتعلقة باللغة الأم والمعايير الدولية المعتمدة في جمع البيانات الإحصائية. إن تجاهل هذه المعايير يبدو وكأنه تحيز أيديولوجي يسعى لتحقيق أهداف معينة على حساب الحقيقة والتنوع الثقافي والتعدد اللغوي في المغرب.
من بين الأمور التي زادت من حدة غضبنا هي تصريحات المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، الذي استخدم اللغة الفرنسية بدلًا من الأمازيغية خلال الندوة الصحفية، مما يعكس توجهًا أيديولوجيًا يسعى إلى تقليص دور الأمازيغية في المجتمع المغربي، وهو ما يتعارض مع الإرادة الملكية والجهود الحكومية لتعزيز مكانة الأمازيغية. كان من المفروض أن تدعم هذه الجهود بإجراءات ملموسة تشمل جميع مجالات الحياة العامة، بما في ذلك عمليات الإحصاء الوطني. فالإحصاء ليس مجرد أرقام، بل هو انعكاس لهوية وتاريخ ومستقبل شعب بأكمله.
شخصيًا، أرى أنه بغض النظر عن نتائج الإحصاء فيما يتعلق باللغة الأمازيغية، فإن الأمر يجب أن يصب في صالح تعزيز هذه اللغة. فإذا أظهرت النتائج نسبًا منخفضة لمتحدثي الأمازيغية، فهذا يعني أن السياسات الحالية لم تحقق الأهداف المرجوة ويجب مضاعفة الجهود لتعزيز حضور الأمازيغية في كافة المجالات. أما إذا أظهرت النتائج نسبة كبيرة للناطقين بالأمازيغية، فهذا يدل على أن الدولة تسير في الاتجاه الصحيح ويجب الاستمرار في بذل الجهود لتحقيق المزيد من التقدم. في كلتا الحالتين، يجب أن تكون النتائج حافزًا لتصحيح المسار وإدماج اللغة الأمازيغية بشكل حقيقي وفعال في كافة العمليات الوطنية. فالاعتراف الكامل بلغاتنا وثقافتنا هو السبيل الوحيد لتحقيق مستقبل شامل يعكس التنوع الغني للمغرب.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵉⵎⵎⵉⵏⵙⵉⵡⵏ ⵙ ⵓⴱⵖⵔⵉⵔ ⴰⵔ ⵜ ⵉⵟⵟⴼ ⴱⴰⵖⵕⴰⵕ
Wanna imminsiwn s ubɣrir ar t iṭṭf baɣṛaṛ
بمعنى: أن لكل فعل غير جيد عواقب وخيمة
صرخة العدد 284 شتنبر 2024/2974– جريدة العالم الأمازيغي