بقلم احمد الدغرني
سجل بوتفليقة في آخر فترة رئاسته ثلاثة سوابق تاريخية في بلاد شمال إفريقيا يوم 2فبراير2019
أولها : بتقديم استقالته من رئاسة الجزائر، وثانيتها باعتذاره عن الأخطاء التي ارتكبها، وثالثتها بعدم هروبه الى الخارج يوم تقديم استقالته رغم كونه تحيط كثير من الشكوك بظروفه الشخصية…
وسجل شعب الجزائر أيضا سابقة تاريخية عندما صنع الحراك وساهم في إرغام بوتفليقة على الاستقالة ،وهي سوابق لم تعرفها هذه الدول الخمسة بعد استقلا لها الشكلي عن فرنسا، وإيطاليا،وإسبانيا ، وتذكرنا حالة بوتفليقة بحالة الحبيب بورقيبة في تونس عندما نالته الشيخوخة والذي أقاله العسكر والمخابرات، والسبب. الرئاسي التونسي متشابه مع الجزائر في ثلاثة أحوال :الشيخوخة والمرض،وتدخل الجيش، فهل سيظهر في الجزائر رئيس جديد يكرر تجربة زين العابدين بنعلي في تونس بعد برقيبة؟ أم ستظهر قوة الإسلاميين لتسيطر على الحكم بالانتخابات كما فعل حز ب النهضة في تونس،وحزب العدالة والتنمية في المغرب؟.
شمال افريقيا بلد لا يتغير فيه رأس الحكم إلا بأربعة أمور: القتل كما وقع للكدافي، وبوضياف،أو الشيخوخة والمرض كما وقع لبورقيبة وبو تفليقة،أو الانقلاب العسكري كما وقع لأحمد بنبلة الذي تعرض لأول انقلاب عسكري في تاريخ شمال افريقيا ، و في موريتانيا عدة مرات، وما وقع في ليبيا ضد الملك ادريس السنوسي ،وهذا بقطع النظر عن كون استقالة Démissionne بوتفليقة ليست سوى اقالة Destitution اذا اعتبرنا ضغط الحراك الشعبي وسيطرة العسكر على السلطة
ظهرت في الجزائر سياسة تسمى التحالف بين العسكر والشعب،وهو تحالف مؤقت، ولا يوجد في بقية دول شمال إفريقيا، تبدو عناصره في كون العسكر يوجد على قياداته ضباط ترجع ترقياتهم وسيطرتهم الى نظام الحكم الذي يسمى الجمهورية الأولى (1962-2019) وهم من المستفيدين من الإمتيازات والثروات التي غنمها حكام جهاز الحكم الذي يطالب الشعب برحيله،لكن يبدو أنهم يتصارعون فيما بينهم على الثروة والحكم مثل إحالة الجينيرال توفيق على التقاعد وعزل الجنرال طرطاق من رئاسة أجهزة المخابرات المدنية والعسكرية، وظهور الجنرال اليمين زروال في هذه الأسابيع الأخيرة وهو يحاول استعادة سيطرته على الحكم،وهذا هو السبب الذي جعل العسكر يريدون الاستعانة بالحراك وتأجيل استعمال السلاح والقوة لتشتيت المتظاهرين الى حين تصفية الحسابات فيما بينهم،أما الشعب فهو يستفيد مؤقتا من هذ التحالف لاستعادة سلطته،ويحاول تفكيك الجمهورية الأولى عن طريق الهدنة مع العسكر،لكن الرهان على بناء حكم الجمهورية بين الشعب والعسكر مستقبلا تنتظره مهام صعبة ، ومنها أن الشعب لايتوفر على أحزاب سياسية ديمقراطية، لأن أحزاب الجمهورية الأولى لن تصلح للجمهورية الثانية لكونها تكونت في ظروف الفساد المالي والسياسي،وتوجد بينها حسابات سياسية خطيرة مثل الصراع بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS التي يوجد رئيسها كلاجئ سياسي في قطر بعد منع حزبه، ويتربص بدعم هذه الدولة،وحزب جبهة التحرير FLN الذي يرأسه فعليا بوتفليقة، الذي كان هو وزير الدفاع ونائبه هو احمد كايد صالح،وذهب بوتفليقة،وبقي نائبه لم يمسه تعديل حكومة بدوي،ونتساءل في حالة فراغ منصب بوتفليقة يصبح كايد احمد نائب من؟.
لقد تزامن ظهور نفوذ الجنرال كايد احمد صالح، عسكري تمكن من الحكم في الجزائر مع ظهور الجنرال حفتر في ليبيا وهو يهاجم طرابلس ليستولي على الحكم ،بدعم من الجنرال السيسي في مصر،المدعوم بدوره من السعودية والإمارات العربية،مما ينذر بتهديد الحكام المدنيين بشمال إفريقيا بعد فشلهم في إنجاز أنظمة ديمقراطية تبعد العسكر عن السياسة،وفشلهم في بناء التداول بالانتخابات النزيهة على كراسي رئاسة هذه الدول….